التأله وقداسة الأنبا شنودة
المقالة الأولى
تعريف مبدئي:
يعتبر آباء الكنيسة أن تأليه الإنسان هو الثمرة المرجوة للإيمان بالمسيح. فعمل المسيح الذي أتمه في سر التجسد وسر الفداء هو أن يعيد للإنسان صورة الله التي فقدها بالخطية، ويستكمل الخليقة بميلاد جديد للبشرية لحياة أبدية كما يوضح القديس بولس، "ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2كو 18:3). الله ظهر في الجسد ليهبنا صورة ابنه في جسدنا الميت فيستبدل الموت بالحياة الأبدية. الكتاب المقدس هو المرجع الرئيسي لمفهوم التأله عند آباء الكنيسة، الذين أفاضوا في شرحه، فاعتبروا أن تأليه الإنسان هو النتيجة العملية للإيمان بالمسيح، والأساس الذي تقوم عليه كل ممارسة روحية وعبادة لله، مستندة علي أساس البنوة، "أبانا الذي في السماوات". لذلك نري هذا المفهوم يبرز في صلوات القداس الإلهي والتسبحة اليومية كأساس للعبادة، كما يبرز في تعاليم الآباء.
إن جميع اللغات يوجد بها لفظاً يعني مفهوم التأله. فكلمة، "θėωσις THEOSIS, " تعني التأله باللغة اليونانية وهي اللغة التي كتب بها الآباء، وهي أيضا لغة العهد الجديد والقدَّاس. أما اللغة الإنجليزية فتستخدم هذه الكلمات للتعبير عن التأله، Deification, Divinization, or, Participation in God” “
لقد اكتسبت عقيدة التأله الأهمية القصوى في القرن المنصرم بسبب النهضة الآبائية والتوسع في ترجمة ونشر ودراسة كتب الآباء، حتى أنه من العسير أن نجد واحداً من اللاهوتيين الأرثوذكس المعاصرين إلا وكتب مقالات متعددة. بل وبعضهم كتب كتباً كاملة في موضوع التأله. كل هذه الكتابات الحديثة مبنية على أساس اللاهوت الأرثوذكسي للكنائس الشرقية وكتابات وتفسيرات الآباء للكتاب المقدس. لم يقتصر حديث التأله علي العلماء واللاهوتيين الأرثوذكس من الكنائس الروسية واليونانية والإنطاكية وجامعاتها المنتشرة في كل الأرض، بل امتد الحديث عن هذا الموضوع لعلماء الكنيسة الكاثوليكية وأيضا للكنائس البروتوستانتية.
من آباء الكنيسة الذين تحدثوا عن التأله:
القديس أغناطيوس الإنطاكي (القرن الأول)، القديس إرنيؤس والقديس إكليمنضوس الإسكندري (القرن الثاني) والعلامة أريجانوس وترتليانوس والقديس كبريانوس (القرن الثالث) والقديس أثناسيوس الرسولي الذي يُعتَبر المرجع الرئيسي لموضوع التأله، والقديس كيرلس عمود الدين وهو المرجع الثاني لموضوع التأله بعد القديس أثناسيوس، والقديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس اللاهوتي والقديس عريغوريوس النيصي ويوحنا ذهبي الفم والقديس أغسطينوس والقديس هيلاريون بواتية والقديس مكسيموس المعترف وآخرون...
ومن العلماء والكتَّاب الأرثوذكس المعاصرين والقديسين الأرثوذكس الجدد الذين كتبوا عن التأله:
John Meyendorff, Vladimir Lossky, George Florovsky, John S. Romanides, Fr. Anthony M. Coniaris, Robert V. Rakestraw, St Seraphim of Sarov كوستي بندلي , Meyendorff quotes St. Maximos the Confessor, Archbishop Basil Krivocheine, St. Gregory Palamas, St. Symeon the New, Philip Edgecumbe Hughes (Deceased evangelical Anglican clergyman), G. I. Mantzaridis of the University of Thessaloniki, Henry Scougal, professor of divinity at the University of Aberdeen.
Athanasius, wrote: "God became man so that man might become God".
ومع كل هذه الجمهرة الآبائية الكبرى من كتابات أعظم اللاهوتيين والقديسين القدامى والمعاصرين حول هذا الموضوع الخطير
يقف "قداسة الأنبا شنودة " وحده
ضد العالم المسيحي، ليُكفِّر كل من يتكلم في موضوع التأله، فيتهمهم في كتابه الأخير بالشرك بالله!!!(1) وينكر بشدة أن آباء الكنيسة قد تكلموا عن موضوع التأله!!ّ!
في هدا المقال سنناقش جزئية واحدة فقط مما ورد بحديث البابا، إلي أن نعود للموضوع بكل تفصيل في أحاديث مقبلة.
يقول قداسة الأنبا شنودة:
"تأليه الإنسَان معناه أنه يتصف بالصفات الإلهـيَّــة، لذلك محال أن أحد الآبـَاء نَادىَ بهَذا التألُـه" (الكرازة السنة 32 العددان 23- 24 23يوليو 2004)
يكرر الأنبا شنودة في أعدد أخرى من مجلة الكرازة وفي كتابيه عن تأليه الإنسان، مقولات تنفي تماما وتنكر أن أحدا من آباء الكنيسة تحدث عن موضوع "التأله". مثلا صارخا ينفي تماما ما يقوله البابا شنودة، تلك المقولة الشهيرة للقديس أثناسيوس الرسولي في أشهر كتاب له "تجسد الكلمة"، الفصل الرابع والخمسون، والذي يقول فيه:
"لأن كلمة الله صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلها".
Athanasius, wrote: "God became man so that man might become God"
“The Word of God Himself. He, indeed, assumed humanity that we might become God.”
ينفي البابا أقوال الآباء عن هذا الموضوع، في الوقت الذي يستطيع أي شخص أن يضغط علي أزرار الكمبيوتر ليفتح مئات المواقع التي تقدم آلاف بل عشرات الألوف من كتب ومقالات عن موضوع "تأله الإنسان " من أقوال الآباء، بكل اللغات، مقدَّمة من المعاهد والجامعات والأديرة الأرثوذكسية من كل بقاع الأرض، مع الشرح والتعليق من أعلي مستوي لاهوتي وعلمي. مرفق بعض هذه المواقع بآخر المقال، وبالمقال الآخر المرفق. وأيضا يوجد الكثير من الكتب العربية المطبوعة أو المعروضة على شاشات الإنترتيت كلها تتحدث عن هذا الموضوع الخصب. كما أن الكثير من الكتب والمجلات القبطية التي لا تملك أن تغفل هذا الموضوع الرئيسي للإيمان المسيحي، تعرضت له خاصةً عند عرض أو ترجمة كتابات الآباء.
بهذا التحدي يضع الأنبا شنودة نفسه أمام إشكال لا يمكن حله فيبرز سؤال خطير له احتمالين فقط
إما أن لأنبا شنودة لم يعلم ولم يسمع من قبل ما قاله الآباء في موضوع التأله؟ وهذه مصيبة!!!
وإما أن الأنبا شنودة على علم بما قاله الآباء عن التأله لكنه يستخف بعقلية سامعيه الذين يفترض فيهم الجهل الشديد؟ وهنا فالمصيبة أعظم!!!
الاحتمال الأول:
رغم كل هذا الصخب الإعلامي على المستوى المسكوني - بعد انطلاقة حركة الدراسات الآبائية – هل ممكن تصور أن الأنبا شنودة لم يسمع ولم يعرف ولم يقرأ في حياته ما قاله وكتبه الآباء عن التأله؟!! بالرغم من أن هذا الاحتمال شبه مستبعد، لكن التزما بحسن النوايا، سنفترض أنه صادق فيما يقول وأنه لم يسمع ما قاله الآباء عن التأله.
إن كان الأنبا شنودة لا يعرف ما كتبه الآباء في هذا الموضوع فهي مصيبة. فلقد كان لزاماً عليه أن يتحقق من الموضوع قبل أن يُقحِم نفسه في أمر لا يعرفه. كان عليه أن يتحقق أولاً قبل أن يعطي رأيا يتَّصِف بالجهل الشديد في موضوع لاهوتي من صميم تخصصه كأسقف للتعليم. كان لزاما عليه أن يكون مُدقِقا فيما يقول، خصوصا وأنه يبني على هذا الرأي قراراً خطيراّ، يتهم به كل آباء الكنيسة القدامى والمحدثين بالهرطقة بل والشرك بالله. إن هذا الاتهام الخطير يُعرِّض كل المسيحيين لخطر داهم، ليس في مصر وحدها بل في كل الدول العربية والإسلامية، خصوصا إذا صدر هذا التصريح عن إنسان في أخطر موقع للمسؤولية بالكنسية القبطية. ما هي الرسالة التي يحملها قداسة البابا شنودة للتطرف الإسلامي بهذا الاتهام؟!!! وبماذا يوصيهم بالكُتَّاب المسيحيين؟!!! كم من الكُتَّاب في مصر كتبوا في هذا الموضوع؟ إن كل من كتب أو ترجم لكتب الآباء في مصر تطرق لموضوع التأله. وبهذا الاتهام فهو لا يهاجم أبونا متى المسكين وحده، بل كل الأرثوذكس على الأرض. فكثيرا من الكتَّاب الأقباط كتبوا في موضوع التأله -ومنهم المقربين جداً للأنبا شنودة- فهو يتهم الجميع بالشرك طبقا للشريعة الإسلامية!!!
يوجد في صلواتنا الليتوروجية وعبادتنا القبطية إشارات واضحة لعقيدة التأله. وبذلك فإن كل المسيحيين الذين يقومون بالعبادة في القدَّاسات والتسبحة اليومية يقعون تحت طائلة الشرك بالله والكفر، حسب نظرية قداسة البابا شنودة والشريعة الإسلامية السمحاء. وخصوصاً أن البابا قد بدأ بمهاجمة كلمات التسبحة التي تتعارض مع العقائد النسطورية التي يريد إقرارها في الكنيسة القبطية. فمثلاً، يضع تحفظاته على عبارة "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له".
قسمة القديس كيرلس الموجودة في كل الخولاجيات القبطية تقول:
"يا حمل الله الذي بأوجاعك حملت خطايا العالم .... اجعلنا أهلا ً لحلول روحك الطاهر في نفوسنا (ضد تعاليم البابا)، أنر قلوبنا لنعاين سبحك، نق أفكارنا واخلطنا بمجدك (ضد تعاليم البابا). حبك أنزلك إلى هبوطنا، نعمتك تصعدنا إلى علوك. تحننك غصبك وتجسمت بلحمنا (ضد تعاليم البابا). أظهرت أستارك للعيون، أظهر في نفوس عبيدك مجد أسرارك الخفية (ضد تعاليم البابا).. وعند إصعاد الذبيحة على مذبحك، تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك. عند نزول مجدك على أسرارك ترفع عقولنا لمشاهدة جلالك (ضد تعاليم البابا). عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك..." (التأله ضد تعاليم البابا).
ومن القداس الكيرلسي
"إذ نصير شركاء في الجسد (ضد تعاليم البابا مر، 19:16) وشركاء في الشكل (ضد تعاليم البابا أف 6:3) وشركاء في خلافة مسيحك (ضد تعاليم البابا، من صلاة خضوع قبل التناول ص 659)
هل كل من يشترك في صلاة القداس هذه هو مشرك بالله. هل تهمة الشرك الذي يذكرها في كتابة الأخير تتسم بروح المسئولية كراعي وأب ومسئول ؟!!!!
الاحتمال الثاني :
الاحتمال الثاني والأرجح هو أن الأنبا شنودة على علم تام بما كتبه الآباء في موضوع التأله ومع ذلك ينكر الحقيقة، وهنا فالمصيبة أعظم.
فالأنبا شنودة أسقف التعليم والملقب بابا وبطريرك الكرازة المرقسية يصدر بيانا غير صحيح لينشر تعليما مخالف عن تعمد ليخدع به غير العارفين بتعاليم الكنيسة القبطية بغرض نشر تعاليم نسطورية.
لمن يوجه البابا شنودة حديثه؟!!!
من المؤكد أنه لا يوجه هذا الحديث لمثقفي الكنيسة القبطية الذين يبغضهم ويقصيهم من خريطة العمل الكنسي. فهم يعرفون حقيقة الكلام، وقادرون على التمييز ويدركون حجم المغالطات التي بها تساق الكنيسة لعقائد غريبة بعيدا عن الإيمان الأرثوذكسي. وهو يقمعهم ويسكتهم بأصوات المغيبين من جهلة الشعب التي تشكل أغلبية مسكينة غارقة في بحر من ظلمة الجهل الكامل بكل ما هو عقائدي وكنسي.
البابا يوجه كلامه لهؤلاء الغارقين في بحار الجهل بالعقيدة الأرثوذكسية، معتمدا على زعامة ديماجوجية قوامها التعصب والحماس الأجوف، والإيمان بالغيبيات والخوارق. ومن خلال هؤلاء المغيبين مع المنتفعين بالفساد شكل البابا قوة إرهابية ترفض استخدام العقل وتستبعد أي محاولة للحوار القائم علي الإيمان الأرثوذكسي أو الحق الإنجيلي. رفض الحوار هو وسيلة الجهلاء إذ ليس لهم معرفة بالحق الأرثوذكسي، ورفض الآخر بالإرهاب هي وسيلة الجبناء، إذ ليس لهم القدرة على مواجهة الحق المسلم مرة للقديسين بقوة الكلمة فيلجئون للقمع والقطع والحرم ومنع الصلاة على الموتى... ووسائل قمعية أخرى مخيفة.
-------------------
(1) كتاب تأليه الإنسان (الجزء الأول) ص 31 يقول فيه، "فهم بدعون إذن الشركة في اللاهوت!! ولعل هذا بعض مما يسميه إخوتنا المسلمين "الشرك بالله"
المقالة الثانية - التأله و قداسة الأنبا شنودة
المقالة الثالثة - التأله و قداسة الأنبا شنودة
المقالة الرابعة - التأله و قداسة الأنبا شنودة
المقالة الخامسة - التأله و قداسة الأنبا شنودة
|