حول هذا الموقع إن مجرد وجود الكنيسة القبطية اليوم محتفظة بإيمانها القويم بعد كل المعاناة التي عانتها عبر ألفين من السنين ليعتبر معجزة من معجزات التاريخ. فالمؤرخون المحدثون عندما درسوا تاريخ الكنيسة القبطية المجيدة لم يستطيعوا إلا أن يسجلوا دهشتهم لوجود هذه الكنيسة قائمة حتى اليوم بعد كل ما تجرعته من آلام الاستعمار وما عانته من محن الاضطهادات المتلاحقة المروِِعة عبر تاريخ مرير. كنيستنا مازالت تقف كمنار وسط محيط مظلم وهادر تلاطمها الأمواج وتعصف حولها الأعاصير العاتية من كل صوب دون توقف عبر الأيام، وهي ثابتة كالطود في سلام المسيح تشهد لنوره لأجيال كثيرة. أجيال من الشهداء تعقب أجيال وكل يسلم شعلة الإيمان المستقيم لجيل جديد ترويه الدماء الذكية الحارسة للتقوى والشاهدة لوصايا المسيح وصدق المواعيد التي في الكتب المقدسة. لقد مرت الكنيسة وتمر بمواجع كثيرة، إلا أن أخطر ما يمكن أن تتعرض له هو الهرطقة التي تضرب الإيمان الكامن في عمق أعماقها. إن أخطر الهرطقات أتت وتأتي من داخل الكنيسة بل من قياداتها، فكل من مكدونيوس وأبوليناريوس ونسطور وفلبيانوس كانوا بطاركة. وكل الهراطقة بالإجماع كانوا من البارزين بين الإكليروس. يقول لنا السيد المسيح، "وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زوانا في وسط الحنطة ومضى" (مت 25:13). فالعدو الشيطان يزرع الزوان والناس نيام. الكنيسة اليوم تمر بمرحلة نوم عميق للعوامل الآتية: على الجانب الآخر ما أسهل تهمة الهرطقة فهي تهمة سهلة وقوية المفعول يتقاذف بها رجال الكنيسة الغير جديرين بمنصبهم لكي يحققوا أهدافهم في التسلط والسيطرة والوصول للمناصب العليا على حساب الحق والإيمان القويم المسلم مرة للقديسين. ولكن هذه هي عبرة التاريخ، كل من يتهم الآخر بالهرطقة زورا يسقط فيها. واقع الكنيسة القبطية اليوم بعد أن تنيح الأنبا يوساب بطريرك الكنيسة الـ 115 عام 1956 بدأ مباشرة صراع رهيب حول منصب البطريرك بين شباب ذلك الزمان، واستمر حتى اليوم. حتى هذه اللحظة تدور رحى حرب ضروس في الكنيسة امتدت لخمسين عاما، وما زالت تستعر نيرانها لتدمر كل إصلاح وتبتلع كل إنتاج وعمل وبناء وتفسد كل خير في الكنيسة. والعجيب أن الحرب لم تتوقف حتى بعد وصول البطريرك للكرسي الذي أفسد كل شيء لأجله. فحرب الانتقام والتشفي تستمر وتمتد وتستعر أكثر حتى يتوارثها جيل آخر وتمتد لبطريرك جديد من جيل إلى جيل... وحتى متى؟!!! الشعب وحده يعاني الإهمال في الرعاية، الإهمال في التعليم، الإهمال في الخدمة، الفساد والرشوة والسرقة والسيمونية... ألخ. ولكن أخطر الشرور هي الهرطقة التي تنتج عن الجهل وفساد التعليم والكبرياء والتحزب والبغض والغيرة والحسد. يتراشق الأطراف بتهمة الهرطقة بسبب العداوة والنتيجة هرطقة حقيقية. الهرطقة هي نتيجة حتمية لكل هذه الشر التي تتعاظم يوما بعد يوم. الهرطقة في هذه الأيام طغت على إيمان الكنيسة وظهر جيل جديد لم يتعلم الإيمان المستقيم. الإيمان الفاسد صار يعلم بمعاهد الكنيسة اللاهوتية على أنه إيمان أرثوذكسي. وأصبح يعلن عنه علي مستوي اللقاءات المسكونية مع الكنائس الأخرى مما يعرض الكنيسة لأن يوصم إيمانها بالانحراف. ألم يكفينا 15 قرنا وصمت فيه الكنيسة "بالمونوفيزيت" فعاشت زمانها بمعزل عن كل كنائس العالم. عندما بدأت كل هذه المهاترات منذ خمسين عاما صمت الجميع، وانتظروا، خوفا على الكنيسة من التمزق وخوفا من عواقب الصدام والانقسام. من أجل سلام الكنيسة صمت كل العارفين بالحق، فهل تحقق السلام؟ لا بل شجع الصمت كل فاسد ليزداد فسادا، وما كان يمارسه سرا أصبح علنا. أصبح للجاني أعوانا وللمخالف عصبية وحزبية وشعبية!!! نست الكنيسة المستقيمة الرأي إيمانها الصحيح وبدأت المجاهرة بالهرطقات بالتدريج حتى أصبح الإيمان الفاسد هو السائد يحميه الإرهاب والتخويف والتهديد بالحرم والقطع. في بداية الأمر صمت العقلاء خوفا على الكنيسة أما اليوم فيصمت الكل خوفا من الإرهاب والتهديد بالحرم ومنع الخدمات والصلاة على الموتى!!! هل الصمت كان في مصلحة الكنيسة أم أضر بنا جميعا شعبا وإكليروس؟!!! شعارنا هو: لقد تسلَّم هذا الجيل إيمان الكنيسة الواحدة سليما مغموسا بدم الشهداء، وعليه أن يسلم نفس الإيمان المستقيم لجيل جديد محفوظاً من كل عبث بأي ثمن. نحن نعلم "أن يد الرب لن تقصر عن أن تخلص" |
|